حياته

كما هو معروف أن عمان قبل عام 1970م كانت بلادا غير قادر إلى اللحاق بما وصلت إلية بعض الدول من تقدم ، وكان العمانيون كثيري السفر لكسب الرزق ، منهم من سافر إلى شرق أفريقيا ، ومنهم إلى بعض الدول المجاورة ، إلا أن الشيخ محسن لم يسافر مثل غيره لهذا الغرض وان سافر لبعض الوقت إلى السعودية أو الكويت أو البحرين أو غيرها إلا ان سفره كان وقتا قصيرا يعود بعدها إلى بلده ، كان لا يرغب في مفارقته على الرغم من الصعوبات التي واجهها في كسب رزقه ، قد كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بوطنه وتدل بعض الرسائل التي حصلنا عليها ضمن الوثائق الخاصة به على هذا الترابط ، وقد عاصر وشارك في مجريات الأحداث السياسية في السلطنة التي تزامنت مع مرحلة شبابه وهو ما لا يمكن سرده في هذه السيرة المختصرة .

ورحلته في هذه الدنيا منذ ولادته في بلدة العراقي بولاية عبري سنة 1348هـ الموافق 1930م إلى بداية عصر النهضة فقد لخصها الشيخ الكاتب محمد بن عامر العيسري ضمن مقابلته مع الشيخ محسن بن زهران بن محمد بن سالم بن بدر بن محمد بن زهران العبري والتي سوف اسردها في آخر هذه السيرة المختصرة أيضا ، إلا أن الشيخ محسن له اهتمام في سرد الوقائع التي حدثت في حياته وقد كتبها بخط يده في مخطوطة بلغ عدد صفحاتها 123 صفحة ، إلا إننا قمنا بعمل هذه السيرة المختصرة على أمل أن نقوم مستقبلا بتجميع وطباعة جميع ما دونه من كتابات تاريخية وجغرافية .

وفي 23 يوليو 1970م ، شهدت سلطنة عمان تغيرا جذريا بتولي جلالة السلطان قابوس المعظم زمام الأمور ، وبتوليه بدأ جلالته بزيارة ميدانية إلى بعض الولايات داخل السلطنة ، ومن ضمنها ولاية بهلا ، التي كانت زيارته إليها بعد أسبوع من توليه الحكم وفق مذكرات الشيخ محسن المكتوبة بخط يده ، ووصل الخبر إلى الحمراء حول هذه الزيارة عن طريق واليها آنذاك الشيخ محمد بن مهنا العبري ،حيث استقبل جلالته مشايخ العبريين ورشداهم وغيرهم من القبائل الأخرى وكان الشيخ محسن من ضمن مستقبلي جلالته في حصن الطماح ببهلا ،وكانت هذه الزيارة فاتحة خير لجميع القاطنين في المنطقة حيث اطلع جلالته على المنطقة واحتياجاتها.

زار الشيخ محسن العاصمة مسقط بعد زيارة جلالته لبهلا، حيث تقدم إلى جلالته طالبا البدء في خدمة عمان ليكون له سبق الوفاء لعمان والسلطان، فكان له ذلك حيث جاءت الموافقة بتعيينه نائبا لوالي نزوى في بركة الموز اعتبارا من 1/1/1971م وفقا للوثيقة المرفقة.

وبركة الموز بوابة الجبل الأخضر المتميزة بحصنها المتربع بجانب الطريق الموصلة إلى هذا الجبل، كما تتميز بفلجها الغزير ومزارعها الخضراء، وقد ذكر الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري مؤرخا في تبصرته أن الحمراء وبركة الموز قد تم استحدثهما في دولة اليعاربة في وقت واحد.

عاش الشيخ محسن ما يقرب من ثلاث سنوات في بركة الموز ساكنا بيتا في الحارة القديمة لبركة الموز يخص ورثة المرحوم سعيد بن حمود التوبي وقد كان إيجار البيت آنذاك مبلغ (7) ريالات شهريا اعتبارا من 1 ابريل 1971م وفق الوثيقة المرفقة.

كانت عيشته في بركة الموز كسكنه في بلده، المكان هادئ والسُّكان أخوة، كانت المعاملة ليست كمسئول مع مسئول عنهم ولكن كأي فرد يقدم النصيحة ويخدم الهدف حتى نقل منها وهو راغب كاهلها أن يبقى فيها بل يذكر بعض أهلها أنه كان يوجه المشتكي لحل موضوعه بالتصالح على يد الرشيد في البلدة بدل التحاكم أمام المسئولين وبذلك ترسخ في بركة الموز ثقافة التصالح بين الأهالي وهو ما تمثله حاليا لجان التوفيق والمصالحة.

وفي 1/6 /1974م نقل إلى ولاية أزكى، وظل في هذه الولاية ما يزيد قليلا من سنتين وكان أول من تعرف فيها على المشايخ الدرامكة ومنهم الشيخ محمد بن غيث الدر مكي رحمه الله الذي جاء أحدهم في فترة من الفترات واليا على الحمراء، عاش خلال فترة تواجده في أزكى في حارة اليمن.

في 17/2/ 1976 نقل إلى ولاية جعلان بني بو حسن هذه البلاد الجميلة بمناظرها الجميلة المتسعة والسامية بأخلاق قاطنيها وقد افتتح في هذه الولاية مركزا جديدا لشرطة عمان السلطانية ، إلا أن حسد الآدميين أبي إلا أن يكون سببا لإصدار قرار مس وظيفة الشيخ محسن من عمله نظرا لما نسب إليه من بعض البدو من اختلاق قصة بان الشيخ محسن أمر باصطياد غزال أثناء زيارة أحكام بمعية القاضي ، وعلى الرغم من شهادات الشهود الثقة ومنهم القاضي نفسه إلا أن وزير الداخلية آنذاك ابي إلا أن ينفذ رأيه قسرا دون الأخذ من الطرف الأخر ، ونظرا لذلك فقد اتجه الشيخ محسن إلى حيث لا يرغب الذهاب ، لأن أخلاقياته التي تربى عليها هي نفس الأخلاقيات التي عايشها قبل السبعين من حبه لوطنه وأرضه ، إلا أن الأمر الآن أصبح مختلف فقد تغيرت الحياة بالتزاماتها ، لذا فقد اتجه إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،الذي استقبله في قصر المقام استقبال الراغبين ، كانت جلسته الأولى معه عبر الشيخ زايد له فيها عن حبه لعمان والعمانيين ، وما كان للشيخ زايد من رحلات الى عمان لمقابلة جلالة السلطان سعيد وتعارفه مع جد الشيخ محسن وهو الشيخ القاضي محمد بن سالم العبري أثناء عبوره الباطنة ، حيث كان جده قاضيا في معظم ولايات الباطنة ، وأقر له من قصره بما لا يحسب الشيخ محسن أن يجده من جنسية وبيوت وعمل وكان يتردد بين عمان والإمارات لفترة ، إلا انه لم يتجرأ على وطنيته بتسليم جنسيته العمانية على الرغم مما حصل عليه .

في عام 1979 تم تعيين السيد بدر بن سعود بن حارب البوسعيــــــــــدي وزيرا للداخلية، حيث طلبه الوزير الجديد نظرا لما رأى من قرار غير منطقي في فصل الشيخ محسن بن زهران، وعلى الرغم من ترحيب الشيخ زايد به وما منحه من أهمية ومال إلا أن الوطن كان أعظم أهمية لدى الشيخ محسن، حيث ترك كل الذي حصل عليه مقابل اليسير الذي أعطي إياه بعد عودته.

وبعد مقابلته لوزير الداخلية الجديد تمت إعادته إلى عمله وعين مرة أخرى بتاريخ 1 أكتوبر 1979م في بركة الموز، والتي استمر فيها حتى 2 أغسطس 1983م حيث أحيل إلى معاش التقاعد بموجب طلبه المؤرخ 10 يوليو 1982م برغبته الشخصية في التقاعد ،وفقا للأسباب التي ذكرها في رسالته المتعلقة بهذا الشأن والمرفقة .

تميز الشيخ محسن بالكرم والتواضع وصلة الرحم والتعاون وغيرها من الصفات ولكن ذلك مما يتسع المجال لذكره في هذه العجالة.